متحرك

السبت، 19 أبريل 2008

الحقيقة والمجاز في البلاغة العربية

بقلم الأستاذة: مليكة حفان
تقديم:
ميز البلاغيون بدء من الجاحظ بين نوعين من الأساليب: الأسلوب الحقيقي، حيث تستخدم الكلمات في دلالتها الوضعية، والأسلوب المجازي، حيث نتجاوز بالكلمات الدلالة الوضعية، إلى دلالة أخرى مجازية.
والحقيقة في اللغة، مشتقة من حققت الشيء أحقه، إذا أثبته، فهي فعيل بمعنى مفعول، أو هي مشتقة من حق الشيء يحق، إذا ثبت، فهي فعيل بمعنى فاعل، وعلى الاشتقاقين هي المثبتة، أو الثابتة في موضعها، الأصلي (الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني، ص:395.)
وفي الاصطلاح:الحقيقة هي لفظ يبقى على موضعه. وقيل ما اصطلح الناس على التخاطب به .( التعريفات: الشريف الجرجاني، ص: 90).
أما المجاز لغة: فهو من جزت الطريق، وجاز الموضع جوازا أو مجازا، وجاز به وجاوزه جوازا، سار فيه وسلكه، وجاوزت الموضع، بمعنى جزته، وسرت فيه وقطعته. والمجاز والمجازة الموضع.(لسان العرب لابن منظور، مادة جوز).
وفي الاصطلاح: المجاز ما أفاد معنى غير مصطلح عليه، في الوضع الذي وقع فيه التخاطب، لعلاقة بين الأول والثاني (الطراز: ليحيى العلوي: 1/64).
ويكشف عبد القاهر الجرجاني عن العلاقة بين اللغة والاصطلاح، في اشتقاق لفظ المجاز فيقول:( جاز الشيء يجوزه إذا تعداه، وإذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة، وصف بأنه مجاز، على معنى أنهم جازوا به موضعه الأصلي، أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أولا) (أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجاني:ص:342).
فكل لفظ دل على معناه الذي وضع له في الأصل، فهو المراد بالحقيقة، وكل لفظ دل على غير معناه الأصلي فهو المراد بالمجاز. والحقيقة لها موضعها الذي تستعمل فيه، والمجاز له موضعه الذي يستعمل فيه، وكلاهما في موضعه بليغ، وكلاهما في غير موضعه خارج عن البلاغة. ولكن أرباب البلاغة مجمعون على أن (المجاز أبلغ من الحقيقة في تأدية المعنى، فعندما نقول: (لقيت الأسد، وجاءني البحر) فقد جعلت الرجل أسدا وبحرا، بما يحمله من دلالته على الشجاعة والجود، لأن الشجاعة ملازمة للأسد، والجود تابع للبحر، والدلالة بلازم الشيء وتابعه، أكشف لحاله وأبين لظهوره، وأقوى تمكنا في النفس من غير ما ليس بهذه الصفة) (الطراز: ص:1/209).
1- أصالة الاستعمال المجازي:
المجاز في لغة العرب فن أصيل، وهو سمة ملازمة لكلامهم، لما فيه من دقة التعبير، وإخراج المعاني المحسوسة إلى المعاني المجردة، فهو خير وسيلة للاتساع في اللغة، والتحرر من الضيق اللفظي، والانطلاق في مجالات الخيال، بما يضيفه من علاقات لغوية مبتكرة توازن بين الألفاظ والمعاني في الشكل والمضمون، فلا غرابة أن يكون مصدرا للثروة البلاغية عند العرب، وأن يكون مجازه في الذروة من البيان العربي، وأن يكون عنصرا أساسا من عناصر بلاغته الاعجازية.
وللعلماء في قضية الحقيقة والمجاز آراء متباينة، فمن العلماء من أنكر وجود المجاز في اللغة والقرآن مثل الظاهرية. ووافقهم على ذلك بعض السلف كابن تيمية، وقد جاء هذا الرفض بحجة أن ( المجاز أخ الكذب) والقرآن منزه عنه،ثم إن المتكلم لا يعدل إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة، أو عجز عن التعبير بها فيستعير، وذلك محال عن الله تعالى.(تلخيص البيان في مجازات القرآن، الشريف الرضي: ص: 55).
وقد رد على هذه الشبه جماعة من المسلمين وكان من أسبقهم ابن قتيبة الذي أشار إلى مسألة الطعن في القرآن في هذه القضية فقال: (وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز، فإنهم زعموا أنه كذب، لأن الجدار لا يريد(
[1])، والقرية لا تسأل([2])، وهذه من أشنع جهالتهم، وأدلها على سوء نظرهم وقلة أفهامهم، ولو كان المجاز كذبا، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلا، كان أغلب كلامنا فاسدا).(تأويل مشكل القرآن: ص:99).
ثم مضى يستعرض عددا من أمثلة المجاز المألوفة التي جاءت في القرآن الكريم أيضا. فالله تعالى يقول (فإذا عزم الأمر) (سورة محمد، الآية:21) وإنما يعزم عليه. ويقول الله تعالى: (فما ربحت تجارتهم) (البقرة، الآية:15) وإنما يربح فيها. ويقول تعالى:(وجاءوا على قميصه بدم كذب) (يوسف، الآية:18). وإنما كذب به، ويعضد ابن قتيبة رأيه بما جاء في كلام العرب شعرا ونثرا على غرار هذا المجاز القرآني بالبيت الشعري الآتي:
يريد الرمح صدر أبي براء *** ويرغب عن دماء بني عقيل
ومن النثر قول العرب: (بأرض فلان شجر قد صاح). أي طال، لما تبين الشجر للناظر بطوله، ودل على نفسه، جعله كأنه صائح، لأن الصائح يدل على نفسه بصوته. كذلك يقولون (هذا شجر واعد) إذا نور، كأنه لما نور وعد بأنه يثمر.(تأويل مشكل القرآن: ص:99-100). فاستعمال المجاز في القرآن نابع من الحاجة إليه في بيان محسنات القرآن البلاغية، ولما في المجاز من طاقة في حسن التعبير، وليس لعجز عن تسخير الحقيقة.
ثم إن المجاز والحقيقة يتقاسمان شطري الحسن والبلاغة في القرآن. يؤكد ذلك قول جلال الدين السيوطي (وهذه شبهة باطلة، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن، فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، ولو وجب خلو القرآن من المجاز، وجب خلوه من الحذف والتوكيد، وتكنية القصص وغيرها.) (معترك الأقران في إعجاز القرآن: 1/168).
إن القرآن الكريم يشتمل على الحقائق كما يشتمل على المجازات، ولا مجال لإنكار المجاز في القرآن، فقد ثبت وقوعه في آيات كثيرة من كتاب الله العزيز، تعد في القمة من الاستعمال البياني، مثل قوله تعالى: (واحلل عقدة من لساني) (سورة:طه:24). فاللسان ليست فيه عقدة ظاهرة محسوسة، وإنما أراد بالعقدة ما يطرأ على اللسان من عيوب الكلام كاللثغة وغير ذلك. و في قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب، مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه) (المائدة: الآية: 17-18). فالقرآن لم يرد إخراجهم من ظلام الليل إلى ضوء النهار حقيقة، وإنما أراد إخراجهم من الكفر الذي يتخبط فيه المرء كما يتخبط في ظلمة الليل إلى الإيمان الذي يهتدي به الإنسان، كما يهتدي بنور النهار. فالقول إذن بخلو اللغة من المجاز، أو خلو القرآن من المجاز، وتفسير الأمور على ظواهرها يفسد المعنى، ويحول دون الوصول إلى البلاغة، سواء كانت البلاغة في القرآن الكريم أو في الشعر أو في غيرها من القول الجيد.
بعد هذا العرض المستفيض عن موقف العلماء من ثنائية الحقيقة والمجاز، نخلص إلى أن اللغة ليست كلها حقيقة، وليست كلها مجازا، بل هي خليط من هذا وذاك. ومع هذا تبقى الحقيقة وهي ( اللفظ الدال على موضوعه الأصلي) (ابن الأثير، المثل السائر:1/58) هي الأصل المشرع في الاستعمال، ويظل المجاز فرعا عن ذلك الأصل. وما لم يحقق المجاز مزية فلا يعدل إليه عن الحقيقة. ولعل ابن الأثير (تـ 637هـ) يقرر هذا بقوله ( واعلم أنه إذا ورد عليك كلام، يجوز أن يحمل معناه على طريق الحقيقة، وعلى طريق المجاز، باختلاف لفظه. فانظر، فإذا كان لا مزية لمعناه في حمله على طريق المجاز، فلا ينبغي أن يحمل إلا على طريق الحقيقة، لأنها هي الأصل، والمجاز هو الفرع، ولا يعدل عن الأصل إلى الفرع إلا لفائدة) (المصدر نفسه:1/)63.
2- أقسام المجاز:
المجاز نوعان: لغوي وعقلي، فالغوي ما استفيد عن طريق اللغة، ومجاله الاستعارة. والكلمة المفردة .والمجاز العقلي ما استفيد عن طريق العقل. وتوصف به الجمل في التأليف والإسناد.
أ- المجاز اللغوي: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي. والعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي قد تكون المشابهة، وقد تكون غيرها، والقرينة قد تكون لفظية وقد تكون حالية، ويقسم البلاغيون المجاز اللغوي إلى قسمين:
القسم الأول:ما تكون العلاقة فيه المشابهة، وذلك كإطلاق لفظ الأسد على الرجل والشجاع، أو إطلاق النور على العلم والهدى والإيمان، وإطلاق الظلمة على الجهل والكفر والضلال، مثل قوله تعالى:(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور) (المائدة:18)وقد اصطلحوا على أن مثل هذا النوع من المجاز يسمى استعارة.( سنفصل القول فيه في المبحث المتعلق بالاستعارة).
القسم الثاني: ما تكون العلاقة فيه غير المشابهة، ويسمى بالمجاز المرسل، ويقصد بالمرسل المطلق، وإنما يسمى مرسلا لأنه أطلق فلم يقيد بعلاقة خاصة، ومن علاقاته السببية- المسببية- الجزئية – الكلية – اعتبار ما كان- اعتبار ما يكون –المحلية- الحالية.
1 السببية: وذلك بأن يطلق لفظ السبب ويراد المسبب كقول المتنبي:
له أياد علي سابغة *** أعد منها ولا أعددها
واضح أن إطلاق الأيدي هنا لا يراد به الأيدي الحقيقية، بل المراد النعم، فكلمة أيادي هنا مجاز، فاليد الحقيقية هي التي تمنح النعم، فهي سبب فيها. فالعلاقة إذن هي السببية. وهذا كثير شائع في كلام العرب.
2- المسببية: وذلك بأن يطلق لفظ المسبب ويراد به السبب، كقوله تعالى ( وينزل لكم من السماء رزقا) (غافر: الآية: 13). فالرزق لا ينزل من السماء. لكن الذي ينزل مطر ينشأ عنه النبات الذي منه طعامنا ورزقنا.فالرزق مسبب عن المطر.فهو مجاز علاقته المسببية.
3- الجزئية: وهي أن يذكر المتكلم اللفظ الدال على الجزء ويريد به الكل، ومثاله قوله تعالى: ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (الرحمان: الآيةك27). فكلمة الوجه في الآية المراد بها الذات القدسية لله عز وجل، ولما كان الوجه ذلك الجزء الذي لا يستغنى عنه في الدلالة على الذات، عبر به هنا عن الذات الإلهية على طريقة العرب، في الاستعمال بإطلاق اسم الجزء وإرادة الكل.
4- الكلية: وهي أن يذكر المتكلم اللفظ الدال على الكل ويريد به الجزء، ومثاله قوله تعالى:( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) (البقرة: 19). فالإنسان لا يستطيع أن يضع أصابعه كلها في أذنه، وأن الأصابع في الآية الكريمة، أطلقت وأريد أطرافها.
5-اعتبار ما كان: أي تسمية الشيء باسم ما كان عليه، كقوله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم)( النسا: 2) فاليتيم في اللغة، الصغير الذي مات أبوه، وفي الآية يأمر الله سبحانه وتعالى بإعطاء الأموال للذين وصلوا سن الرشد، وكانوا يتامى فيما مضى، فكلمة اليتامى هنا مجاز، لأنها استعملت في الراشدين، والعلاقة اعتبار ما كان. ومثاله قوله تعالى: (إنه من يأتي ربه مجرما) (طه:74). سماه مجرما باعتبار ما كان عليه في الدنيا من الإجرام.
6- اعتبار ما يكون: أي تسمية الشيء باسم ما يكون عليه، أو تسميته باسم ما يؤول إليه مستقبلا. كقوله تعالى: (إني أراني أعصر خمرا) (يوسف: 36). فالمجاز في الخمر باعتبار العصر، والخمر لا تعصر، فهي سائل، وإنما العنب المتحول بالعصر خمرا، هو الذي يعصر. فإطلاق الخمر وإرادة العنب منه، باعتبار ما يؤول إليه العنب بعد العصر. ومثله قوله تعالى (ولا يلد إلا فاجرا كفارا) (نوح: 29)
7- المحلية: ويقصد بها أن يذكر المتكلم المحل أو المكان، ويريد به من يحل فيه، كما في قوله تعالى: (فليدع ناديه) (اقرأ:18) والأمر هنا للسخرية والاستخفاف، فإننا نعرف أن معنى النادي هو مكان الاجتماع، ولكن المقصود به في الآية من في هذا المكان، من عشيرته ونصرائه. فهو مجاز أطلق فيه المحل وأريد الحال، فالعلاقة المحلية.
8- الحالية: وهو أن يذكر اللفظ الدال على الحال، ويراد به المحل، مثل قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم) (المطففين: 22) والنعيم لا يحل فيه الإنسان لأنه معنى من المعاني، وإنما يحل في مكانه. فاستعمال النعيم في مكانه مجاز أطلق فيه الحال، وأريد به المحل. فعلاقته الحالية. ومنه قوله تعالى (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) (آل عمران: 107). أي في الجنة.
ب- المجاز العقلي: هو إسناد الفعل، أو ما في معناه، إلى غير ما هو له في الأصل، لعلاقة بينهما مع قرينة مانعة من إرادة الإسناد الحقيقي.
للمجاز العقلي ست علاقات هي: الزمانية والمكانية والسببية والفاعلية والمفعولية والمصدرية.
والفرق بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي، أن الكلمة في المجاز اللغوي مستعملة في معناها المجازي، أما الكلمة في المجاز العقلي فتكون مستعملة في معناها الحقيقي. والمجاز إنما هو في إسنادها إلى غيرها كما في قول القائل:
أشاب الصغير وأفنى الكبيـ *** ر كر الغداة ومر العشي
فالشيب المفهوم من الفعل (أشاب) يراد به معناه الحقيقي، إلا أن إسناده إلى كر الغداة والعشي ليس حقيقيا، لأن فاعله الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، ومرور الغداة والعشي ليست إلا سببا لذلك. ومثل ذلك ما ورد في قوله تعالى: (وأخرجت الأرض أثقالها) (الزلزلة: 2). ففي الآية جاء الفعل ليفيد مفهومه، وكذلك الأرض، لكن التجوز جاء في إسناد الإخراج إلى الأرض، وهو في الحقيقة مسند إليه سبحانه، وكذلك قوله تعالى: (فما ربحت تجارتهم) (البقرة:15) ففي الآية جاء الفعل ليفيد مفهومه الحقيقي، وكذلك التجارة، ولكن التجوز جاء في إسناد الريح إلى التجارة مع أنها لا تربح أو تخسر على الحقيقة.
ومن البديهي أن نلمس في المجاز العقلي وإن كان متعلقا بالإسناد، لا بالألفاظ، قرينة تدلنا على إرادة الاستعمال المجازي دون الحقيقي، وقد قسم البلاغيون هذه القرينة الدالة على ذلك إلى قرينة لفظية، وتستفاد من إطلاق اللفظ فندرك به موضوع المجاز، وقرينة حالية، وتستفاد من الجملة، باستحالة صدور ذلك الشيء من فاعله عقلا، وإنما تكون من أمره وفي نطاق مقدوره، ومن علاقاته: السببية – الزمانية – المكانية – الفاعلية – المفعولية – المصدرية..
1- السببية: قال الله تعالى (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب) (غافر:36) فإذا تأملنا الآية نجد أن الفعل أسند إلى غير فاعله، فهامان لا يبني، وإنما يبني عماله، ولكن لما كان هامان سببا في بناء الصرح، أسند إليه الفعل مجازا، وعلم أن وجه ذلك السببية.
2- الزمانية: وذلك فيما بني فيه الكلام للفاعل وأسند للزمان،كما في قوله تعالى (والضحى والليل إذا سجى) (الضحى: 1-2) (سجى بمعنى سكن) فنجد أن السكون أسند إلى الليل، مع أن الليل لا يسكن، وإنما يسكن الناس فيه عن الحركة، ويخلدون فيه على النوم، ومثله (نهار الزاهد صائم، وليله قائم).
3- المكانية: وذلك فيما بني فيه الكلام للفاعل، وأسند للمكان كما في قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار) (الرعد: 35). فالأنهار هي مكان جري الماء، وهي ثابتة غير متنقلة، وما يجري فيها هو الماء، فلما أسند الجري إلى الأنهار علم بالضرورة أنه مجاز، لأن الماء هو الجاري، فعبر عن جريان ذلك الماء بجري الأنهار، بوصفها مكان. ومثله (ازدحمت شوارع المدينة).
4-المفعولية: فيما بني فيه الكلام للمفعول، وأسند للفاعل الحقيقي، كما في قوله تعالى:(وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) (الإسراء: 45). فمستور هنا بمعنى ساتر، ولم ينقل هذا اللفظ عن وضعه الأصلي في اللغة ليعد مجازا لغويا، وإنما المراد به عين لفظه. وإنما استعمل اسم المفعول مكان اسم الفاعل، وهذا استعمال مطرد في اللغة العربية، مرده المجاز العقلي، بإطلاق صيغة المفعول وإرادة الفاعل.
5- الفاعلية: فيما بني فيه الكلام للفاعل، وأسند إلى المفعول به الحقيقي، ومثاله قول الحطيئة:
دعم المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ومعنى البيت لا ترحل لطلب المكارم، واقعد كلا على غيرك مطعوما مكسوا، فأسند الوصف المسند للفاعل إلى ضمير المفعول. ومثله قوله تعالى: (فهو في عيشة راضية) (القارعة:7) المراد معيشة راضية، لأن الرضا يقع عليها، ولا يصدر منها، فعلم بذلك مجازيتها.
6- المصدرية: وهو في ما بني فيه الكلام للفاعل، وأسند للمصدر، مع قرينة مانعة من الإسناد الحقيقي، ومثاله قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) (الحاقة:13) فقد أسند الفعل إلى مصدره(نفخة)ولم يسند إلى فاعله الحقيقي، وذلك لعلاقة المصدرية، التي نقلت الكلام إلى مجازه العقلي.
رأينا من خلال الأمثلة التي قدمناها، أن الأفعال أو ما يشبهها، لم تسند إلى فاعلها الحقيقي، بل إلى سبب الفعل، أو زمانه، أو مكانه، أو مصدره، وأن صفات كان من حقها أن تسند إلى المفعول، أسندت إلى الفاعل، وأخرى كان يجب أن تسند إلى الفاعل، أسندت إلى المفعول. وهذا الإسناد غير حقيقي وإنما هو إسناد مجازي عقلي، لأن الإسناد هو إسناد الفعل إلى فاعله الحقيقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) إشارة إلى قوله تعالى: (فوجد فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه) (الكهف: 76)
([2])إشارة إلى قوله تعالى: (واسأل القرية: يوسف: 82).

ليست هناك تعليقات:

أهداف منتدى الفصيح : توسيع دائرة التواصل بيننا وبين الباحثين، تقريب المعلومة من الطلبة على وجه الخصوص،وجعل المنتدى جسرا لمواقع وموسوعات علمية متنوعة، ونقل الخبر، عبر ربط المنتدى بأهم الجرائد والقنوات العالمية.
Google
دليل العرب الشامل الجزيرة نت سوالف المنتديات

أخبار الجزيرة