متحرك

الجمعة، 11 أبريل 2008

جمال الأسلوب في القرآن الكريم

بقلم الدكتورة: مليكة حفان
يمكن الرجوع إلى هذا البحث في المواقع الآتية حيث سبق نشره فيها:
http://www.almarsaa.net/showthread.php?t=14414
تقديم:
شاء الله أن يبعث في العرب رسولا منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويطهرهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فبعث فيهم رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وهم أفصح الأمم، وأعرفها بفنون القول، وسحر البيان، وأسرار البلاغة، حتى كانت لهم أسواق ومواسم سنوية بضاعتها النظم والنثر والخطابة. لأن من حكمة الله تعالى ألا يبعث رسولا إلا بلسان قومه فقال: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، فيضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء، وهو العزيز الحكيم﴾(1).
والعرب كغيرهم من الأمم لم يكونوا ليؤمنوا بالرسول، ويتبعوا رسالته دون دليل قاطع، أو برهان صادق، يدل على نبوته وعلى صحة رسالته. ومتى سلمت العقول بذلك الدليل، وأدركت إعجازه، اطمأنت إلى سلامة دينها، وآمنت بأنه من عند الله، وأنه ليس من تأليف محمد بن عبد الله، وليس بقول شاعر، ولا بقول كاهن، لأنه أبعد من متناول الكهنة والشعراء.
وقد كان القرآن الكريم الدليل الذي برهن به الرسول صلى الله عليه وسلم على صدق دعواه، فكان معجزته الخالدة، وآيته الكبرى الدالة على صدق نبوته(2).
-1- مفهوم الإعجاز والمعجزة:
المعجزة في وضع اللغة، مأخوذة من العجز الذي هو نقيض القدرة. والعجز: الضعف. وعجز عن الشيء يعجز عجزا، فهو عاجز، أي ضعيف(3). ويقال عجز يعجز عن الأمر، إذا قصر عنه...وأعجزه الشيء فاته، وأعجزت فلانا وعجزته وعاجزته جعلته عاجزا.(4) ومنه ما جاء في القرآن الكريم حكاية عن ابن آدم حين قتل أخاه ﴿قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين﴾(5)، ومنه قوله تعالى: ﴿لن نعجز الله في الارض ولن نعجزه هربا﴾(6)، ومصدر أعجز: الإعجاز، ومعناه الفوت والسبق. يقال أعجزني فلان أي فاتني(7).
والمعجزة واحدة معجزات الأنبياء الدالة على صدقهم صلوات الله عليهم، وسميت معجزة لأن البشر عاجزون عن الإتيان بمثلها(8)، ومعجزة النبي r "ما أعجز به الخصم عند التحدي"(9).
والمعجزة في الاصطلاح، فعل خارق للعادة مقترن بالتحدي سليم عن المعارضة(10). والإعجاز أن يؤدي الكلام المعنى بطريق أبلغ من كل ما عداه من الطرق. وإعجاز القرآن ارتقاؤه في البلاغة إلى أن يخرج عن طوق البشر، ويعجزهم عن معارضته(11).
واضح من هذا التعريف، أن الإعجاز يفيد ضعف القدرة الإنسانية، وقصورها عن إدراك ما أودعه الله سبحانه وتعالى في القرآن، من حكم وأسرار، وخاصة على مستوى اللغة والبيان. يقول القاضي عبد الجبار: "معنى قولنا في القرآن إنه معجز، أن يتعذر على المتقدمين في الفصاحة فعل مثله في القدر الذي اختص به"(12).
والمعجزة باعتبرها فعلا خارقا للعادة، مقترنا بالتحدي، سليما عن المعارضة، يفيد ثلاثة أمور: خرق العادة، والاقتران بالتحدي، والسلامة من المعارضة.
فأما خرق العادة، فأن يتعارف القوم أمرا ويعتادوا عليه ويألفوه، فتأتي المعجزة خارجة عما تعارفوه واعتادوه وألفوه، وهي من جنسه "وإنما وجب اشتراط ذلك، لأنه لو قال المدعي للرسالة: آيتي مجيء الليل بعد النهار، وطلوع الشمس من مشرقها، لم يكن فيما ادعاه معجزة. لأن هذه الأفعال وإن كان لا يقدر عليها إلا الله فلم تفعل من أجله، وقد كانت قبل دعواه على ما هي عليه في حين دعواه، ودعواه في دلالتها على نبوته كدعوى غيره، فبان أن لا وجه له يدل على صدقه"(13).
وأما الاقتران بالتحدي، فأن تتحداهم المعجزة أن يأتوا بمثلها فلا يستطيعوا لعجزهم عنها، لأنه لا يتصور أن يقال "إنه كان عجز، حتى يثبت معجوز عنه معلوم"(14).
أما السلامة عن العارضة، فأن لا يقدر العباد عن الإتيان بمثلها، لأنه لو صح أن يقدروا عليها بطلت دلالة المعجزة، وقد ثبت أن المعجز الدال على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح دخوله تحت قدرة العباد، وإنما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليه.
والمعجزات التي أيد الله تعالى بها أنبياءه ورسله نوعان: معجزات حسية وأخرى معنوية. فأما الحسية فهي المعجزات التي تظهر في واقع الحس متحدية المقدرة الإنسانية، وتنقرض بانقراض المشاهد لها.(15) وأما العقلية، فهي المعجزات التي تواجه العقل، وتلقاه بكل ما فيه من قوى الإدراك، كالقرآن الكريم.
والفرق بين المعجزات الحسية والعقلية، أن الأولى تنقرض بانقراض المشاهد لها، والثانية تبقى ويستمر إعجازها إلى ما شاء الله. ثم إن المعجزة الحسية، تعتمد على إدهاش الأبصار، وإخضاع الأعناق بما يعجزهم من الخوارق المادية. أما المعجزة العقلية، فتعتمد على إخضاع العقول، وإنارة البصائر بما يعجزهم من العلم والحكمة. وأخيرا فالمعجزة الحسية المادية تدل على صحة النبوة والرسالة بأمر خارج عن الرسالة، فمعجزة موسى عليه السلام في العصا، واليد البيضاء، والآيات البينات، ورسالته هي التوراة. ومعجزة عيسى عليه السلام في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، ورسالته هي الإنجيل. أما المعجزة العقلية، فتدل على صحة الرسالة، بموضوع الرسالة ذاتها. فالقرآن آية محمد الكبرى ومعجزته العظمى، وهو في الوقت ذاته دستور رسالته، وموضوع هدايته(16). وقد جرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم بعض المعجزات الحسية، كحادثة الإسراء والمعراج، وحادثة شق الصدر، وانشقاق القمر، إلا أن معجزته صلى الله عليه وسلم وآيته الكبرى هي القرآن الكريم، وهي معجزة بيانية تخاطب القلوب والعقول معا، قال تعالى ﴿وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إنما الآيات عند الله، وإنما أنا نذير مبين، أولم يكفيهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم، إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يومنون﴾(17). فأخبر الله تعالى أن القرآن "آية من آياته، وأنه كاف في الدلالة، قائم مقام غيره، وآيات سواه من الأنبياء"(18).
فالقرآن معجزة عقلية خالدة إلى يوم القيامة، قائم مقام المعجزات التي سبقته، وكانت سائدة في الديانات السابقة، وهي كلها معجزات حسية مادية، لأن العقول في تلك الفترة لم تكن بعد قد بلغت درجة النضج والرشاد، وإنما كانت تعتمد على خوارق العادات من المعجزات المادية المحسوسة، كناقة صالح، وعصا موسى، ونار إبراهيم، وإبراء عيسى الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، وغيرها من المعجزات الحسية التي ذكر القرآن كثيرا من أخبارها.
ومعجزة الرسول r من أعظم هذه المعجزات وأجلها شرفا، وهي تختلف عن سابقاتها اختلافا شديدا، وتتميز عنها بكونها صفة من صفات الله تعالى. يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: "إذا نظرنا إلى المعجزات السابقة، وجدنا هذه المعجزات فعلا من أفعال الله، وفعل الله من الممكن أن ينتهي بعد أن يفعله الله سبحانه وتعالى: البحر انشق لموسى ثم عاد إلى طبيعته، النار لم تحرق إبراهيم ولكنها عادت إلى خاصيتها في الإحراق، ولكن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم، صفة من صفات الله وهي كلامه، والفعل باق بقاء الفاعل له، والصفة باقية ببقاء الفاعل نفسه"(19). ومن هنا يبدو البون شاسعا بين معجزة هي من (أفعال الله) انقضت بانقضاء أثرها زمان وقوعها، وبين صفة من صفات الله ستبقى خالدة لا تبيد ولا تندثر مهما تقادم الزمن، والحكمة من وراء هذا تبدو جلية، كما يشير إلى ذلك الدكتور سعيد رمضان البوطي إذ يقول: "في ثبوت هذه المعجزة لرسالة سيدنا محمد r دون الأنبياء والرسل السابقين، أن رسالة سائر الأنبياء من قبله عليه الصلاة والسلام، كانت موقوتة ببعثة من يأتي من بعده، أما رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فباقية إلى يوم القيامة، فاحتاجت إلى معجزة تشهد لها خلال هذه العصور كلها"(20).
وفي المفاضلة بين معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها من المعجزات يرى السيوطي، أن الله تعالى إنما اختص رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة عقلية دون غيره من الأنبياء، لأن المعجزات الحسية المادية إنما تحمل إلى ذوي العقول الجامدة والنفوس الخاملة، أما العرب فيمتازون بالذكاء والعقول الراجحة، ولذلك كانت معجزتهم عقلية. يقول السيوطي: "وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية لبلادتهم وقلة بصيرتهم، وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية لفرط ذكائهم وكمال أفهامهم"(21).
والواقع أن السيوطي كان محقا في وصف اليهود بالبلادة، وقلة البصيرة، رغم ما عرف عنهم من مكر وخبث، وكيف لا يكونوا بلداء وهم قتلة الأنبياء، وسفكة دماء الأبرياء، وناقضو العهود والمواثيق. فما أرسل الله إليهم رسولا لهدايتهم وإرشادهم، إلا كذبوه أو قتلوه. قال تعالى ﴿كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون، وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا، ثم تاب الله عليهم، ثم عموا وصموا كثير منهم، والله بصير بما يعملون﴾(22). وقد بلغ من خبث اليهود أن اتهموا الله عز وجل بالفقر ووصفوه بالبخل قال سبحانه وتعالى ﴿وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء﴾(23). فهذا عدوان على الذات الإلهية، لا يصدر من إنسان في قلبه شيء من الإيمان، ولكنهم اليهود الخبثاء الذين لا يتورعون عن الطعن حتى في أقدس المقدسات، وبذلك استحقوا أن يوصفوا بالبلادة. وصدق الله العظيم الذي شبههم بالبهائم التي لا تفقه الكلام من كثرة إفسادهم وإجرامهم، فقال سبحانه وتعالى ﴿إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يومنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون﴾(24). يقول سيد قطب مفسرا هذه الآية، ولفظ (الدواب) وإن كان يشمل كل ما دب على الأرض، فيشمل الأناسي في ما يشمل، ثم يصبح هؤلاء الآدميون شر البهيمة التي تدب على الأرض. فلقد نقض اليهود عهودهم مع رسول الله r طائفة طائفة، فتجردوا بذلك من خصيصة التقيد بالعهد، وانطلقوا من كل قيد، كما تنطلق البهيمة، لولا أن البهيمة مقيدة بضوابط لهم، فهم بذلك شر الدواب عند الله(25).
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون معجزة كل نبي من جنس ما برع فيه قومه، جارية مع تفكير من تلقاهم وتتحداهم، كي تكون الآية غالبة، والحجة بالغة، والمعجزة قائمة. فموسى عليه السلام كانت معجزته السحر لبراعة قومه فيه. قال تعالى: ﴿قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى، قال بل ألقوا، فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا، إنما صنعوا كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى، فألقي السحرة سجدا، قالوا آمنا برب هارون وموسى﴾(26).
وكان الطب عادة قوم عيسىu ، فجاءت معجزته من جنس الطب الذي مهروا فيه، فكان عيسى عليه السلام يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى ويحيي الموتى بإذن الله. قال تعالى: ﴿ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم، إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله، وأبرئ الاكمه والابرص وأحيي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تاكلون وما تدخرون في بيوتكم، إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مومنين﴾(27).
ولما كانت الفصاحة والبلاغة عادة قوة محمد r، فقد شاءت قدرة الله تعالى أن تكون معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم، من جنس الفن الذي برع فيه قومه وبلغوا فيه الذروة. فجاء القرآن في أعلى درجات البيان، من حيث لفظه ونظمه وإيقاعه، فنقض عادتهم، وخرق مألوفهم، لتقوم عليهم الحجة، ويظهر لهم صدق محمد صلى الله عليه وسلم.
-2- مظاهر الجمال في أسلوب القرآن:
كان العرب أهل فصاحة وبلاغة، يحكمون زمام اللغة ويعرفون أسرارها ومخبوءها، ويتفننون في تطريز أساليبهم ببديعها، ويتباهون في تدبيج أشعارهم بكل ألوان التعبير الجميل، فجاء القرآن الكريم عربيا فصيحا مفصلا دقيقا يخاطب فطرة العرب بلسانهم، وباللغة التي يألفونها، وبالكلمات التي يجيدون حبكها ونظمها، ليحصل لهم التمكن من المعارضة ثم يعجزون عنها، فتقام عليهم الحجة. يقول الله تعالى: ﴿ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين﴾(28). ويقول جل علاه: ﴿كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون﴾(29). ويقول أيضا: ﴿وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الامين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين﴾(30).
فلو نزل القرآن بغير اللسان العربي، لاحتجوا بأنهم لا يعرفون اللسان الذي جاء به ولقالوا: إنما عجزنا عن الإتيان بمثله، لأنه بغير لغتنا، وبغير السنن التي نستنها، فأنزله "جل ثناؤه بالحروف التي يعرفونها، وبالسنن التي يسلكونها في أشعارهم ومخاطباتهم، ليكون عجزهم عن الإتيان بمثله أظهر وأشهر"(31) لأن من شروط التحدي، أن تنقطع جميع الأعذار التي يمكن أن يتعلق بها من تتحداه. فكما لا يصح من أعمى معارضة المبصر في النظر، لا يحسن من البصير أن يقول: غلبتك أيها الأعمى بنظري، فإن للأعمى أن يقول: إنما تم لك الغلبة لو كنت قادرا، وكان نظرك أقوى من نظري، فأما إذا فقد أصل النظر فكيف تصح المعارضة(32).
ورغم أن القرآن جاء على سنن العرب وأساليبهم في التعبير والنظم، غير أنه ورد عليهم من طرق نظمه ووجوه تركيبه ونسق حروفه، ما أذهلهم عن أنفسهم. فكل ما في القرآن من مجاز واستعارة، وكناية وتشبيه وتمثيل، وتقديم وتأخير، وفصل ووصل. - إلى آخر ما يرد في هذا المجال- في الشعر العربي مثله، ومع ذلك "فإن القرآن يقف وحده على هذه القمة المنقطعة، دون أن يستطيع الشعر مع - ثبوت الشبه البلاغي- أن يدنو إلى مواقع السفح من قمة إعجازه وخلوده"(33).
لقد سحر القرآن العرب منذ اللحظة الأولى لنزوله، سواء المؤمنين منهم أو الكافرين، لما وجدوا فيه من روعة اللفظ، وحسن المعنى، ودقة النظم، وتأثير في النفوس، وسريان في القلوب. فحار المشركون في وصفه، فقالوا إنه شعر، لما رأوه كلاما منظوما. قال تعالى: ﴿بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر﴾(34). وقالوا إنه سح،ر حين رأوه معجوزا عنه، غير مقدور عليه. قال تعالى: ﴿وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم، إن هذا إلا سحر مبين﴾(35) ثم قالوا إنه أساطير. قال تعالى: ﴿وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا﴾(36) مع علمهم أن صاحبهم أمي، وليس بحضرته من يملي عليه أو يكتب شيئا(37). بل ساقهم عنادهم وعنتهم إلى نعت الرسول r بالجنون. قال تعالى: ﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون، لو ما تاتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين﴾(38). غير أن هذه الأوصاف المتعددة التي نعتوا بها كتاب الله والرسولr لا تنفي إعجاب العرب به وميلهم لسماعه، فقد كان كفار قريش أول من أحس بروعة القرآن، وبسيطرته على القلوب، وبتأثيره العجيب في النفوس، لذلك وصفوه بالسحر.
ذكر السيوطي في الإتقان، أن الحاكم أخرج عن ابن عباس أنه قال "جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قاله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال فقل فيه قولا يبلغ قومك إنك كاره له. قال: وماذا أقول، فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه، ولابقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: دعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره"(39).
وقد ذكر القرآن الكريم هذه القصة في سورة المدثر، قال تعالى: ﴿ذرني ومن خلقت وحيدا، وجعلت له مالا ممدودا، وبنين شهودا، ومهدت له تمهيدا، ثم يطمع أن أزيد، كلا إنه كان لآياتنا عنيدا. سأرهقه صعودا، إنه فكر وقدر، فقتل كيف قدر، ثم قتل كيف قدر، ثم نظر ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، فقال إن هذا إلا سحر يوثر، إن هذا إلا قول البشر﴾(40). وقبل الترسل في بيان معجزة القرآن وعجز العرب أمامها، لابد أن نتحدث عن الحالة اللغوية التي كان عليها العرب وقت نزول القرآن، لأن من شروط التحدي أن يكون الخصم متمكنا من الجهة التي نتحداه بها وإلا بطل التحدي.
بلغ العرب وقت نزول القرآن مبلغا كبيرا في الفصاحة والبيان، وذلاقة اللسان، واستقامت تعابيرهم إفرادا وتركيبا، فأطالوا الشعر وافتنوا فيه، وابتدعوا في أغراضه ومعانيه، يدل على ذلك الشعر الذي تركوه، وتلك الآثار الأدبية التي خلفوها، فلقد أقام الله تعالى "الشعر للعرب مقام الكتاب لغيرها من الأمم، وجعله لعلومها مستودعا، ولآدابها حافظا، ولأنسابها مقيدا، ولأخبارها ديوانا، لا يرث على الدهر ولا يبيد على مر الزمان، وحرسه بالوزن والقوافي وحسن النظم وجودة التعبير من التدليس والتغيير، فمن أراد أن يحدث فيه شيئا عسر ذلك عليه، ولم يخف له كما يخفى في الكلام المنثور"(41).
ولا شك أن قريشا كانت أكثر القبائل العربية فصاحة، وأرجحها أحلاما وأكثرها مالا، لما أهلتها له بيئتها وموقعها الجغرافي ومكانتها الدينية. فموقعها بين الشمال والجنوب، جعلها مركزا للعديد من الأسواق والمواسم، التي تؤمها مختلف القبائل العربية، يتناشدون فيها الأشعار ويتبارون في عرضها ونقدها واختيار أحسنها. وتنظيمها لرحلات تجارية لمختلف أنحاء الجزيرة العربية، وخاصة رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام. كما يصفهم الله تعالى في كتابه العزيز ﴿لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف﴾(42). ثم حمايتها لبيت الله الحرام، ومسؤولياتها عن السدانة والسقاية والمأوى، وإحياء الشعائر والطقوس. إن هذه الأسباب مجتمعه أهلت قريشا لتختلط بكل القبائل العربية، كتميم وربيعة ومضر وقيس وهذيل وقضاعة وغيرها من القبائل، فضلا عما كان يجتمع حول الكعبة من الأمم المختلفة، من هنود وفرس وأنباط ويمن وأحباش ومصريين، عدا الذين كانوا ينزحون إليها من جالية اليهود والنصارى(43).
كان لهذا التمازج والاختلاف أثر كبير في رفع المستوى العقلي والاجتماعي لقبيلة قريش، وحملها على إصلاح لسانها، وتهذيب لغتها، وانتقاء أحسن ما في لهجات القبائل الأخرى من ألفاظ ومعان وأساليب. واستطاعت أن تتخلص من عيوب النطق المبعثرة في لسان العرب، فلا نجد في كلامهم عنعنة تميم،(44) ولا كشكشة أسد،(45) ولا كسكسة ربيعة،(46) ولا لخلخانية الفرات،(47) ولا عجعجة قضاعة،(48) ولا طمطانية حمير،(49) فصاروا أفصح العرب، وتغلبت لهجتهم على لهجات العرب الأخرى، وأصبحت لغة الشعراء من جميع القبائل. وبذلك يكون لقبيلة قريش الفضل الأكبر في التوحيد اللغوي، والتقريب بين اللهجات العربية المختلفة، يقول السيوطي: "أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالهم، أن قريشا أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة. وذلك أن الله تعالى اختارهم من جميع العرب، واختار منهم محمدا r فجعل قريشا قطان حرمه، وولاة بيته، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في دارهم، وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب، تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب"(50).
ولعل هذه الصفات التي امتازت بها لغة قريش، من اختيارها لأفصح الألفاظ وأسهلها وأحسنها وأقدرها على التعبير، هي التي أهلتها لتكون أفصح اللغات، ولتكون حاملة الرسالة السماوية ومبلغة الوحي الإلهي وإعجازه الأزلي(51). وقد سجل القرآن الكريم في أكثر من آية حال قريش في بلاغة المنطق ورجاحة الأحكام وصحة العقول، وما تمتاز به من بلاغة الألسنة واللدد عند الخصومة، فقال تعالى: ﴿فإذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد﴾(52) وقال تعالى في سورة مريم: ﴿وتنذر به قوما لدا﴾(53) وقال تعالى في سورة الزخرف: ﴿وقالوا أآلهتنا خير أم هو، ما ضربوه لك إلا جدلا، بل هم قوم خصمون﴾(54) وقال أيضا في سورة البقرة: ﴿ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام﴾(55)، فهذه الآيات كلها تصف العرب الذين شوفهوا بالقرآن بسلاطة اللسان، وقوة الجدل والمهارة في الخصومة. يفسر القرطبي قوله تعالى ﴿وهو ألد الخصام﴾(56) بقوله: الألد الشديد الخصومة...والألد مشتق من اللديدين، وهما صفحتا العنق.أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب...والخصام في الآية مصدر خاصم...والمعنى أشد المخاصمين خصومة، أي هو ذو جدل، إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه حلاوة وباطنه باطل(57). وقد ذكر الله تعالى خلابة ألسنة العرب، واستمالتهم للأسماع بحسن منطقهم وفصاحة قولهم فقال: ﴿وإن يقولوا تسمع لقولهم﴾(58). ويصف الجاحظ الحالة اللغوية للعرب وقت نزول القرآن فيقول: "والكلام كلامهم وهو سيد عملهم، وقد فاض بيانهم وجاشت به صدورهم، وغلبتهم قوتهم عليه عند أنفسهم، حتى قالوا في الحيات والعقارب والذئاب والكلاب والخنافس والجعلان والحمير والحمام، وكل ما دب ودرج ولاح لعين، وخطر على قلب. ولهم بعد أصناف النظم وضروب التأليف، كالقصيد والرجز والمزدوج والمجانس والأسجاع المنثورة"(59).
ولا عجب في أن يكون الكلام سيد عملهم، فشعراء العرب أكثر من "أن يحيط بهم محيط، أو يقف من وراء عددهم واقف، ولو أنفق عمره في التنقير عنهم، واستفرغ مجهوده في البحث والسؤال".(60) والعربي في صحرائه قد جبل على حب الكلمة، وتوخي عذوبة الألفاظ، يهزه القول الرفيع والنثر البليغ، حتى عمد إلى مختارات من الشعر العربي الرائق فعلقها على ظهر الكعبة. وهي أقدس بقعة وأول بيت وضع للناس. جاء في العقد الفريد أنه بلغ من شغف العرب بالشعر أن "عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلقتها في أستار الكعبة. فمنه يقال مذهبة امرئ القيس، ومذهبة زهير...والمذهبات السبع، وقد يقال لها المعلقات"(61). ولقد بلغ اهتمام العرب بالشعر في جاهليتهم أنهم كانوا يحتفلون بمولد الشاعر في القبيلة، وكانت القبائل الأخرى تأتي لتهنئتها "وكانوا لا يهنؤون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج"(62) فتعليق القصائد الشعرية على ظهر الكعبة والاحتفال بمولد الشاعر أكبر دليل على تقديس العرب للغتهم واحتفائهم بها، فخصهم الله تعالى بمعجزة لغوية دون سائر الأمم.
بعد هذا العرض المستفيض عن الحالة اللغوية للعرب قبل نزول القرآن، نستطيع أن نقول، إن العرب بلغوا وقت نزول القرآن، درجة كبيرة من الفصاحة والبيان، لم يعرفوا مثلها في تاريخهم اللغوي من قبل، فقد هذبوا لغتهم ونقحوها واجتمعوا على نمط من القرشية، كانوا يرونه مثالا لكمال الفطرة اللغوية، بدأت تتشكل قبل قرن من مجيء الإسلام. ولما نزل القرآن الكريم، رسخها وأرسى قواعدها وارتقى بها إلى رفيع الدرجات وأرحب الآفاق، "فعكست ألفاظه وتراكيبه كل الخصائص اللغوية التي وصلت إليها العربية عبر حياتها الطويلة، بل لقد أضاف إليها القرآن الكريم زادا جديدا، وأظهر كل قدراتها اللغوية في التعبير والتصوير، ومن ثم أجمع الباحثون قديما وحديثا، على أن أهم حدث في تاريخ هذه اللغة هو نزول القرآن وظهور الإسلام"(63).
ورغم ما كان عليه العرب في جاهليتهم من بلاغة وبيان ورقي لغوي، فقد جاء القرآن الكريم بنظمه العجيب، وأسلوبه الفريد، مخالفا لأساليب كلام العرب ومنهج نظمها ونثرها، فأخذهم العجب بأسلوبه ونظمه، وشعروا بسموه على كل كلام. فلا يمكن أن يجري به لسان من ألسنتهم، بل لا يمكن أن يأتي به محمد من عنده، لأنهم من قبل عرفوا كلامه، وقد رأوه عاليا في جوامع كلمه، ولكن القرآن أعلى من طاقة الإنسان ومن طاقة محمد ذاته. يقول القرطبي: "فإذا تأملت قوله r في صفة الجنان وإن كان في نهاية الإحسان، وجدته منحطا عن رتبة القرآن، وذلك في قوله u ( فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)٭ فأين ذلك من قوله U ﴿وفيها ما تشتهيه الانفس، وتلذ الاعين﴾(64) وقوله: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾(65) هذا أعدل وزنا وأحسن تركيبا وأعذب لفظا وأقل حروفا"(66). والسؤال الذي نطرحه، أين يكمن سر هذه البلاغة التي وقف العرب عاجزين أمامها؟ أفي حروفه؟ أم في ألفاظه؟ أم في معانيه؟ أم في ما اشتمل عليه من فنون القول وألوان البديع؟(67).
إن من ينظر إلى القرآن الكريم يجده قد ركبت كلماته من حروفهم(68)، و ألفت جمله وآياته من كلماتهم، و جاء تأليفه على مناهجهم في التأليف. فالمادة اللغوية التي يتألف منها الكلام واحدة لا تتبدل ولا تتغير. فلا يجوز إذن أن تكون هذه الحروف مصدرا للإعجاز، كما لا يجوز أن تكون ألفاظه مصدرا لهذا الإعجاز، "لأن تقدير كونه فيها يؤدي إلى المحال، وهو أن تكون الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة، قد حدث في مذاقة حروفها وأصدائها أوصاف لم تكن لتكون تلك الأوصاف فيها قبل نزول القرآن، وتكون قد اختصت في أنفسها بهيئات وصفات يسمعها السامعون عليها إذا كانت متلوة في القرآن، لا يجدون لها تلك الهيئات والصفات خارج القرآن"(69).
كما لا يجوز أن يكون الإعجاز في معاني الكلم المفردة، لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون "قد تجدد في معنى (الحمد) و(الرب)، ومعنى (العالمين) و(الملك)، و(اليوم) و(الدين)، وهكذا وصف لم يكن قبل نزول القرآن"(70). ولا يجوز أيضا أن يكون إعجازه في ما اشتمل عليه من استعارات ومجازات وتشبيهات، إلى غير ذلك من فنون القول والبلاغة، فعلى مناهجهم في التأليف وعلى نهج إنشائهم للخطب جاء تأليفه(71). فهو يستعير حيث يستعار، ويتجوز حيث يتجوز، ويؤكد ويعترض ويكرر إلى آخر ما أحصي في البلاغة ومذاهبها.
فإذا ثبت أن حروف القرآن وألفاظه ومعانيه وتراكيبه، هي نفس الحروف والألفاظ والمعاني والتراكيب التي عرفها العرب وألفوها، وأنشأوا منها أشعارهم وخطبهم وافتنوا فيها، فإنا نقول: إن الوجه الذي أعجز العرب وأدهشهم هو نظمه البديع، وتأليفه العجيب، والتئام كلمه وفصاحتها، وبلاغته الخارقة لعادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب البيان. يقول الخطابي: "واعلم أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن نظوم التأليف، مضمنا أصح المعاني"(72). وسنحاول الوقوف عند بعض مظاهر الجمال في أسلوب القرآن التي تحدى بها بلاغة العرب، وخرق عادتهم في الكلام في ثنايا هذا البحث بحول الله تعالى.
ولما كان هدفنا من خلال هذا الموضوع، الوقوف على بعض مظاهر جمال الأسلوب في التركيب القرآني التي أعجزت العرب، وأخرست ألسنتهم عن معارضته -لأن البحث في "قضية الإعجاز ليس في حقيقته إلا بحثا عن السمات الخاصة للنص، التي تميزه عن النصوص الأخرى في الثقافة وتجعله يعلو عليها ويتفوق"(73)- فإننا سنقف عند هذه المظاهر الأسلوبية، وقفة عرض وبيان مقتضب، لا وقفة استيعاب وبحث مستفيض، تبعا لطبيعة هذا المبحث وهو بيان عجز العرب أمام بلاغة القرآن، وجمال أسلوبه وإيقاعه ودقة عباراته.
فمن مظاهر سحر البيان وجمال أسلوب القرآن، التي استولت على قلوب العرب وعقولهم، وأخرست ألسنتهم، تأنقه في اختيار ألفاظه ومراعاته للفروق الدقيقية بين معاني الكلمات، فيضع كل نوع منها "موضعه الأخص الأشكل به الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء منه: إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة"(74)، فقد يشترك لفظان في معنى واحد، ولكن أحدهما أدق من الآخر في الدلالة على المعنى، وأقدر على التعبير عنه من اللفظ الآخر، لأن لكل لفظ منهما "خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا قد يشتركان في بعضها"(75). فلفظ (الحمد) مثلا في قوله تعالى ﴿الحمد لله رب العالمين﴾(76) مختارة من بين ألفاظ قريبة منها، كلفظة(الشكر) مثلا، إلا أنهما غير متساويتين في إفادة بيان مراد الخطاب، (فالحمد) هو الثناء على الجميل، من نعمة وغيرها. نقول: (حمدت الرجل على إنعامه)، و(حمدته على حسبه وشجاعته).
أما (الشكر) فعلى النعمة خاصة، وهو بالقلب واللسان والجوارح. و(الحمد) باللسان وحده. فهو إحدى شعب الشكر(77). فقولنا (الحمد لله) أولى من( الشكر لله)، لأن الأول ثناء على الممدوح بصفاته من غير سابق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان. يقول القرطبي: "فالحمد أعم من الشكر، لأن فيه معنى الشكر ومعنى المدح، وهو أعم من الشكر. لأن الحمد يوضع موضع الشكر، ولا يوضع الشكر موضع الحمد، لأن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر"(78). فلهذا كان الإتيان بلفظ (الحمد) أمتن في المعنى من غيرها من الألفاظ، ولو كان موضعه غيره، لكان اللفظ غير دال على المعنى المقصود دلالة دقيقة متناهية، كما هو الشأن مع لفظ ( الحمد) في الآية.
ومن جمال القرآن في تنزيل اللفظ منزلته الأخص به، استعمال لفظ (أكل) بدل (افترس) يقوله تعالى ﴿قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذيب، وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين﴾(79). فقد استعمل القرآن لفظ (أكل) بدل (افترس)، لأن معنى الافتراس في السباع هو القتل فحسب. وأصله دق العنق، وهذا المعنى لا يصلح في موضع الآية. لأن إخوة يوسف ادعوا على الذئب أنه أكله، وأتى على جميع أجزائه وأعضائه، فلم يترك مفصلا ولا عظما. وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم بأثر باق من يوسف يشهد بصحة ما ذكره، فادعوا فيه الأكل، ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، فعبارة افترسه الذئب، لا تعطي هذا المعنى الدقيق. وإنما تِِِؤديه الآية الكريمة على الرغم من أن لفظ الأكل شائع الاستعمال في الذئب وغيره من السباع(80). وتتجسد لنا أيضا دقة القرآن في اختيار كلماته، في استعمال فعل(سقى) بدل (أسقى)، ففعل (سقى) يستعمل فيما لا كلفة معه في السقيا، ولهذا أورده الله تعالى في شراب الجنة فقال ﴿وسقاهم ربهم شرابا طهورا﴾(81).
أما فعل (أسقى) فيستعمل لما فيه كلفة، ولهذا أورده الله تعالى في شراب الدنيا فقال ﴿وأسقيناكم ماء فراتا﴾(82) وقوله ﴿لأسقيناكم ماء غدقا﴾(83) لأن السقيا في الدنيا لا تخلو من الكلفة أبدا(84). فهذه الأمثلة دليل واضح على دقة القرآن في اختيار ألفاظه وحسن انتقائها واستعمال ما هو أحق بالمعنى وأولى بالاستعمال. فلا يأتي بالألفاظ المترادفة دالا على معنى واحد، وإنما للدلالة على معان مختلفة. يقول الجاحظ: "إن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع إلا في موضع العقاب، أو في موضع الفقر المذقع، والعجز الظاهر. والناس لا يذكرون السغب، ويذكرون الجوع في حال القدرة والسلامة. وكذلك ذكر المطر. لأنك لا تجد القرآن يلفظ به، إلا في موضع الانتقام، والعامة وأكثر الخاصة، لا يفصلون بين المطر وذكر الغيث"(85).
وإذا كان القرآن الكريم قد أولى الكلمة القرآنية عناية خاصة، فاختارها بدقة متناهية لتدل على المعنى بدقة، فإنه كذلك أولى الإيقاع الصوتي والنغمة الصوتية عناية خاصة، فاختار لكل حالة مرادة ألفاظها الخاصة، التي لا يمكن أن تستبدل بغيرها. فجاء كل لفظ متناسبا مع مدلوله الصوتي من وجه، ومع صورته الذهنية من وجه آخر. فقد تعبر الكلمة بجرسها وإيقاعها عن المعنى قبل أن يوحي مدلولها اللغوي به، ويحيل عليه. ومثاله، كلمة (اثاقلتم) في قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفورا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض﴾(86) تحمل صورة فريدة في تخيل الجسم المتثاقل يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط من أيديهم في ثقل، ولو أننا استبدلنا كلمة(اثاقلتم) بكلمة قريبة منها، وهي (تثاقلتم) "لخف الجرس ولضاع الأثر المنشود، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ واستقل برسمها"(87). ومنه أيضا، استعمال كلمة (يصطرخون) في قوله تعالى: ﴿والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، كذلك نجزي كل كفور، وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل﴾(88). فكلمة (يصطرخون)، تعني الصراخ بجهد وشدة، وقد استعملت في الاستغاثة للدلالة على جهد المستغيث بصوته(89). وقد تعطي بعض معناها كلمات أخرى مقابلة لها في المعنى(كيصيحون)، أو(يستغيثون) أو(يصرخون)، ولكنها لا تدل على المعنى الدقيق الذي دلت عليه كلمة (يصطرخون). ثم إن الذكر الحكيم لم يستعمل تلك الكلمات حفاظا على الدلالة الصوتية لكلمة (يصطرخون) فجرسها الغليظ يصور لنا "غلظ الصراخ المختلط، المتجاوب من كل مكان، المنبعث من حناجر مكتظة بالأصوات الخشنة، كما تلقي إليك ظل الإهمال لهذا الاصطراخ الذي لا يجد من يهتم به أو يلبيه، وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الغليظ الذي هم فيه يصطرخون"(90).
ومن ذلك أيضا استعمال كلمة (متشاكسون) في قوله تعالى:﴿ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون﴾(91)، فلو استبدلنا كلمة (متشاكسون) بكلمة أخرى مقاربة لها في المعنى كـ(متخاصمون)، لضاع المعنى الدقيق الذي تدل عليه كلمة (متشاكسون). فقد استعملها الذكر الحكيم حفاظا على الدلالة الصوتية، التي جمعت في الكلمة حروف الأسنان والشفة، في الثاء والشين والسين والكاف، فأعطت هذه الحروف مجتمعة "نغما موسيقيا خاصا، حملها أكثر من معنى الخصومة والجدل والنقاش، بما أكسبها من أزيز في الأذن يبلغ السامع، إلى أن الخصام قد بلغ درجة الفورة والعنف من جهة. كما أحاطه بجرس مهموس خاص، يؤثر في الحس والوجدان من جهة أخرى"(92). فاستقلالية كل كلمة بحروف معينة، يكسبها صوتيا ذائقة سمعية منفردة لا تعطيه كلمة أخرى مقاربة لها في المعنى، مما يجعل كلمة دون كلمة، وإن اتحد معناهما "لها استقلاليتها الصوتية، إما في الصدى المؤثر، وإما في البعد الصوتي الخاص، وإما بتكثيف المعنى بزيادة المبنى، وإما بإقبال العاطفة، وإما بزيادة التوقع. فهي حينا تصك السمع، وحينا تهيئ النفس، وحينا تضفي صيغة التأثر فزعا من شيء، أو توجها لشيء، أو طمعا في شيء"(93). وإذا أمعنا النظر في القرآن الكريم، تبين لنا أن ظاهرة الإيقاع الصوتي، تشكل جزء لا يتجزأ من كل سورة من سور القرآن الكريم، فلكل سورة ظاهرتها الصوتية المعينة حسب طبيعة الموضوع الذي يدور الحديث حوله.(94) فالخطاب القرآني يشتد مثلا في مقامات الإنذار والوعيد، ووصف غضب الله على المجرمين. ويرق في مقامات الترغيب والتلطف، في مخاطبة الأنبياء والمخلصين من المؤمنين. ومن المفيد أن نقدم مثالا يوضح هذه الفكرة. يقول تعالى في سورة النجم متحدثا عن الرسول r ﴿ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾(95).
يعلق الدكتور(أحمد أبو زيد)على هذه الآيات بقوله "ورقة هذا الخطاب واضحة، ولأصوات اللين التي ترددت فيه بكثرة، ولحركة الفتحة التي تتابعت في معظم مقاطعه أثر واضح في رقته ولطفه، والمقام مقام القرب والمناجاة، والرضى الغامر والمحبة الفياضة، في ليلة المعراج، وهي ليلة التسلية والتكريم من رب كريم لعبده محمد r"(96) ولذلك لم تكن قراءة القرآن الكريم، كقراءة غيره من أنواع الكلام. وقد نبه الله تعالى إلى ذلك في كتابه العزيز فقال: ﴿ورتل القرآن ترتيلا﴾(97) ومعنى الترتيل: قراءة القرآن على ترسل وتؤدة، بتبيين الحروف وإشباع الحركات(98). وفي الإتقان للسيوطي "كمال الترتيل: تفخيم ألفاظه، والإبانة عن حروفه، وألا يدغم حرف في حرف، وقيل هذا أقله، وأكمله أن يقرأ على منازله، فإن قرأ تهديدا، لفظ به لفظ المتهدد، أو تعظيما لفظ به على التعظيم"(99).
ونحب أن نشير إلى أن الجمال الصوتي والتناسق الفني والإيقاع الموسيقي، هو أول شيء أحسته الأذن العربية يوم نزل القرآن وتلاه الرسول r، فسموه تارة سحرا، وسموه أخرى شعرا، لما وجدوا فيه من إيقاع جميل، وفواصل متقاربة في الوزن، تشبه الوزن والقافية في الشعر. ولكنه ليس بشعر، فقد نزهه الله تعالى عن الشعر فقال: ﴿وما علمناه الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين﴾(100) وتتجلى عظمة النسق القرآني-كما يقول سيد قطب- "أنه جمع بين مزايا النثر والشعر جميعا، فقد أعفي التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة، وأخذ في الوقت ذاته من الشعر الموسيقى الداخلية والفواصل المتقاربة، في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية المتقاربة التي تغني عن القوافي"(101).
ومن مظاهر جمال أسلوب القرآن الكريم أيضا، التي أذهلت العرب وأخرست ألسنتهم فوقفوا دونها في حيرة من أمرهم، وهم أفصح البشر، وأعلمهم بالبلاغة والشعر، وقريض الكلام وضروبه، تركيب الجملة القرآنية، أي تلك العلاقة التي تربط الآيات بعضها ببعض، والكلمات بعضها ببعض، داخل العبارة أو الآية. فكل من يقرأ القرآن يدرك، أن تركيب الجملة القرآنية هو الذي يمنح الكلمات حسنها وجمالها. فالألفاظ القرآنية مرتبطة بعضها ببعض في بناء متكامل يأخذ بعضه ببعض، فلا يمكن "أن يؤخر ما قدم، أو يقدم ما أخر، أو يذكر ما حذف، أو يحذف ما ذكر، أو يوجز فيما أطيل فيه، أو يطنب فيما أوجز فيه. لكل مقام مقال، ولكل كلمة مع صاحبتها موقف، وكأنما لم يخلق الله لأداء تلك الدلالات غير هذه القوالب على اتساع اللغة بألفاظها وأشكالها"(102).
ومن مواضع الإعجاز والجمال في تركيب الجملة القرآنية -وهي تفوق الحصر- دقة القرآن في اختيار ألفاظه، ثم نظمها في نسق خاص يبلغ في الفصاحة أرقى درجاتها، من ذلك مثلا قوله تعالى: ﴿قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين﴾(103). فإنه تعالى لما أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي (التاء)، أتى بأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار وهي (تفتأ)، وبأغرب ألفاظ الهلاك و(الحرض)، فاقتضى "حسن الوضع في النظم، أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها، توخيا لحسن الجوار، ورغبة في ائتلاف المعاني بالألفاظ، ولتتعادل الألفاظ في الوضع وتتناسب في النظم"(104). ولما أراد غير ذلك قال تعالى: ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم﴾(105) فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابتة فيها(106). فهذه الآية دليل واضح على دقة القرآن في اختيار ألفاظه، لتتكامل الخصائص النوعية للألفاظ، مع المميزات العامة لبنية الكلام، بحيث يصبح النص مطبوعا من وجهتين، "وجهة الألفاظ، وهي أجزاء فردية في عملية الخلق الأدبي، ووجهة التركيب، تلك الأجزاء في صلب البنية اللسانية العامة للنص"(107).
إن القارئ المتأمل في كتاب الله تعالى يقف على خاصية هامة تتمثل في ارتباط الألفاظ بعضها ببعض داخل الآية أو الجملة القرآنية، فالألفاظ لبنات التركيب، وليس لكلمة فضل على أخرى إذا كانت مفردة - إذ لا تفضل كلمة كلمة، وهما في قاموس اللغة من حيث دلالة كل منهما على المعنى- فإذا نظمت في جملة أو عبارة، وضحت قيمتها وظهر جمالها، من ذلك مثلا قوله تعالى ﴿وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء اقلعي، وغيض الماء، وقضي الامر، واستوت على الجودي، وقيل بعدا للقوم الظالمين﴾(108). فهذه الآية لها من الحسن والشرف ما يبهر القلب والسمع، إلا أن هذا الحسن والشرف لم يعرض لها من حيث أنها تألفت من ألفاظ هي (أرض-ابلعي-الماء-سماء-اقلعي-استوت-الجودي-القوم-الظالمين). فهذه ألفاظ مألوفة مستعملة عند العرب، ليس فيها جمال أو حسن، ومزيتها الظاهرة وفضيلتها القاهرة، إنما ترجع إلى ارتباط هذه الألفاظ بعضها ببعض، فارتبطت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة، وهكذا إلى أن انتهى تركيب الآية. يقول عبد القاهر الجرجاني محللا مواطن الجمال في هذه الآية قائلا "إن مبدأ العظمة في أن نوديت الأرض ثم أمرت، ثم في أن كان النداء (بيا)، دون (أي) نحو(يا أيتها الأرض)، ثم إضافة (الماء) إلى (الكاف)، دون أن يقال (ابلعي الماء)، ثم أن أتبع نداء الأرض، وأمرها بما هو من شأنها نداء السماء، وأمرها كذلك بما يخصها. ثم أن قيل (وغيض الماء) فجاء الفصل على صيغة (فعل)، الدال على أنه لم يغض إلا بأمر آمر وقدرة قادر. ثم تأكيد ذلك وتقريره، بقوله تعالى ﴿وقضي الامر﴾ ثم ذكر ما هو فائدة هذه الأمور، وهو (استوت على الجودي) ثم إضمار (السفينة) قبل الذكر، كما هو شرط الفخامة، والدلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة (قيل) في الخاتمة (بقيل) في الفاتحة"(109).
فالقرآن إذن معجز بأسلوبه ونظمه المخصوص للألفاظ، فهو نظم يخرج عن كل أنواع النظم المعروفة عند العرب. أما ألفاظ القرآن من حيث هي ألفاظ مجردة، فلا مزية لها دون أن تركب مع سواها من الكلمات. ومن مظاهر هذا الجمال أيضا في القرآن، ظاهرة التقديم، فلتقديم كلمة على أختها نمط من البيان، ولتأخير كلمة عن موضعها، علل بلاغية تزيد الكلام حسنا وقبولا وشرفا وفائدة. وقد اختار عبد القاهر الجرجاني نظرية النظم كمقياس للتفاضل بين كلام وكلام، وكدليل على إعجاز القرآن. لهذا أعطى التركيب وسلامته، وارتباط النظم وتعلق بعضه ببعض، وتشابك العبارة وصلتها بما قبلها وما بعدها، أهمية كبيرة.
وتتضح أهمية هذا النوع من النظم في الأسلوب القرآني فيما يتضمنه من حكم بالغة لأن "كل تقديم وتأخير فيه حكمة بالغة وقدرة فائقة، ليس فيه ما يفسد المعنى، وإنما فيه الواضح الجلي البليغ، وليس هناك ما يقوم مقامه، فكأن المعنى يقتضي ما تقدم أو تأخر، اقتضاء طبيعيا بما يؤثر في المتلقي تأثيرا واضحا"(110). وقد ضرب عبد القاهر الجرجاني مثالا لسحر بيان القرآن فيما اشتمل عليه من تقديم وتأخير بقوله تعالى: ﴿وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم﴾(111). يعلق عبد القاهر على هذه الآية بقوله: "ليس بخاف أن لتقديم (الشركاء) حسنا وروعة ومأخذا من القلوب، أنت لا تجد شيئا منه إن أنت أخرت فقلت (وجعلوا الجن شركاء لله) وإنك ترى حالك حال من نقل عن الصورة المبهجة والمنظر الرائق والحسن الباهر، إلى الشيء الغفل الذي لا تحلى منه بكثير طائل"(112). فمعنى حصول الشرك وعبادة الجن مع الله تعالى، وإن كان يتحقق في تقديم (الشركاء) أو تأخيره. فإن تقديمه يفيد هذا المعنى، ويفيد معه معنى أخر وهو "أنه ما كان ينبغي أن يكون لله شريك، لا من الجن ولا غير الجن"(113). أما إذا أخر(الشركاء) فقيل: (جعلوا الجن شركاء لله) لم يفد ذلك، ولم يكن فيه "شيء أكثر من الإخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع الله تعالى، فأما إنكار أن يعبد مع الله غيره، وأن يكون له شريك من الجن وغير الجن، فلا يكون في اللفظ مع تأخير الشركاء دليل عليه"(114).
ومن روائع جمال الأسلوب القرآني في تركيب الجملة القرآنية الاستعارة. وهي أيضا من مقتضيات النظم القرآني، إذ لا يتصور "أن يكون ههنا (فعل) أو (اسم) قد دخلته الاستعارة من دون أن يكون قد ألف مع غيره"(115). والاستعارة لون من ألوان التصوير البلاغي في القرآن، فهي تكشف عن أصالة ما يريد القرآن التعبير عنه بصورة إيحائية، لا يحس بها السامع في الاستعمال الحقيقي. وتمنح آياته جمالا وجودة وبلاغة، وتكشف عن أسرار جمالية متناهية. وقد بلغت الاستعارة في القرآن مرتبة الإعجاز كما في قوله تعالى: ﴿قال رب إني وهن العظم مني، واشتعل الرأس شيبا، ولم أكن بدعائك رب شقيا﴾(116). فهذه الآية لها من الروعة والجمال، لم نكن لنجدها لو جاء الكلام صريحا فقيل (اشتعل شيب الرأس)، أو(الشيب في الرأس). فكلمة (اشتعل) في الآية، لم تقف عند معنى (انتشر) الشيب في الرأس فحسب، ولكنها تحمل معنى دبيب الشيب في الرأس ببطء وثبات، حتى استغرقه وعم جملته. فلم يبق من السواد شيء، أو لم يبق منه إلا ما لا يعتد به. وذلك كما تدب النار في الفحم مبطئة، ولكن في دأب واستمرار. مثال ذلك أنك تقول: "(اشتعل البيت نارا)، فيكون المعنى، أن النار قد وقعت فيه وقوع الشمول، وأنها قد استولت عليه وأخذت في طرفيه ووسطه. وتقول (اشتعلت النار في البيت)، فلا يفيد ذلك، بل لا يقتضي أكثر من وقوعها فيه، وإصابتها جانبا منه. وأما الشمول وأن تكون قد استولت على البيت وابتزته فلا يعقل من اللفظ البتة"(117).
فالألفاظ المستعارة في القرآن ألفاظ موحية، لأنها أصدق أداة تجعل القارئ يحس بالمعنى أكمل إحساس وأوفاه، وتصور المنظر للعين، وتنقل الصوت للأذن، وتجعل الأمر المعنوي ملموسا محسوسا، "فقد يجسم القرآن المعنى ويهب للجماد العقل والحياة، زيادة في تصوير المعنى وتمثيله في النفس"(118).
إن ما ذكرناه من مظاهر جمال أسلوب القرآن في تركيب الجملة القرآنية، ما هو إلا غيض من فيض، فهناك مظاهر أسلوبية عديدة لا يتسع المجال لذكرها، كالذكر والحذف، والتنكير والتعريف، والتشبيه والكناية، والإيجاز والإطناب، والحقيقة والمجاز. فأسلوب القرآن الكريم وبيانه بحر لا حدود له، وسيبقى المعجزة التي تقصر دونها مواهب المتكلمين وقدرات البشر أجمعين.
-3- تفرد نظم القرآن وعجز العرب عن معارضته:
نزل القرآن الكريم على قلب نبيه، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم إلى صراط مستقيم. وليكون برهانا على صدق النبي وصحة النبوة، فزلزل عقيدة العرب، وأحدث انقلابا في موازين حياتهم. فقد أمرهم بعبادة الله وحده، ونبذ عبادة ما سواه، فسفه أحلامهم ونكس أصنامهم، وقد كانت أحب إليهم من أنفسهم، فمنهم من آمن به وصدقه، ومنهم من أنكره بشدة، ووقف منه موقف المتردد الحائر لما عرفوه من استقامة الرسول في سابق حياته، واشتهاره فيما بينهم بالصدق والأمانة. ولا ريب في أن القرآن أدهش العرب منذ اللحظة الأولى لنزوله، وأحسوا صنيعه في نفوسهم واستيلاءه على قلوبهم وأحاسيسهم، لذلك تملكهم الخوف على من كانوا يدركون بلاغة هذه اللغة من قومهم، ويتذوقون الجمال الفني، أن يأخذهم الإيمان بأنه ليس من كلام البشر، فيؤمنوا بمحمد ودينه، يقول الله تعالى في هذا الشأن ﴿وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾(119).
إن هذا القول من الكفار دليل على الذعر الذي كانوا يجدونه في نفوسهم، من تأثير القرآن فيهم وفي أتباعهم، "وهم يرون هؤلاء الأتباع يسحرون بين عشية وضحاها، من تأثير الآية والآيتين، والسورة والسورتين، يتلوهما محمد أو أحد أتباعه السابقين، فتنقاد إليهم النفوس، وتهوى إليهم الأفئدة، ويهرع إليهم المتقون"(120). ولم يكتف زعماء المشركين بهذا التحذير، بل أضافوا إلى ذلك وسيلة أخرى هي التهوين من شأن القرآن ونعته بصفات مختلفة غرضهم منها، أن يبينوا أنه ليس من عند الله، وإنما هو من صنع البشر. قال تعالى ﴿وقالوا أساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا﴾(121) وقالوا أيضا كما حكى الله تعالى ذلك عنهم ﴿إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون﴾(122) وقالوا أيضا ﴿ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم﴾(123)، وقالوا أيضا ﴿ما أنزل الله على بشر من شيء﴾،(124) بل لقد بلغ بهم العناد والتكبر مبلغا جعلهم يزعمون القدرة على الإتيان بمثل القرآن، في روعته وجلاله فقالوا :﴿قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا، إن هذا إلا أساطير الأولين﴾(125).
وأمام هذا التحدي من المشركين، كان لابد للقرآن الكريم أن يتحداهم علانية وبقوة، ويجعل عجزهم عن الإتيان بمثله دليلا على أنه من عند الله تعالى، وأمارة على صدق النبي، وليشهد التاريخ في كل عصر "بعجز العرب عنه، وهم الخطباء اللد، والفصحاء اللسن، وهم كانوا في العهد الذي لم يكن للغتهم خير منه، ولا خير منهم في الطبع والقوة، فكانوا مظنة المعارضة والقدرة عليها، حتى لا يجيء بعد ذلك فيما يجيء من الزمن مولد أو أعجمي أو كاذب أو منافق أو ذو غفلة، فيزعم أن العرب كانوا قادرين على مثله وأنه غير معجز، وأن عسى أن لا يعجز عنه إلا الضعيف"(126).
وقد سارت حكمة الله تعالى في تحدي المعاندين على مراتب، فتحداهم أول الأمر أن يأتوا بمثل القرآن في علو أسلوبه وسمو معانيه وبالغ حكمته، فقال: ﴿فليأتوا بحديث مثله﴾(127) فلما عجزوا عن الإتيان به، عجزوا عن الإتيان بمثله-وهم الحريصون كل الحرص على إطفاء نوره وإخفاء أمره- ردهم من مثل القرآن، إلى ما هو أقل منه، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور مماثلة له في النظم، ولو ملئت زورا وبهتانا فقال تعالى: ﴿أم يقولون افتراه، قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾(128). فالعرب قد زعموا أن القرآن مفترى، وهو من صنع محمد r، فتحداهم القرآن أن يفتروا عشر سور مثله، وليستعينوا في افترائها بمن شاؤوا من الفصحاء والبلغاء والشعراء والجن والإنس. يقول الزركشي "وإنما قال مفتريات من أجل أنهم قالوا لا علم لنا بما فيه من الأخبار الخالية، والقصص البالغة فقيل لهم (مفتريات) إزاحة لعللهم وقطعا لأعذارهم"(129) فلما عجزوا عن افتراء عشر سور مثل القرآن، ردهم من عشر سور، إلى سورة واحدة من مثله، تماثله في لفظه ونظمه وأسلوبه مبالغة في التحدي، فقال ﴿أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾(130). ثم تكرر هذا التحدي بنفس المقدار في سورة البقرة، فقال ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين﴾(131). أما هذه المرة فقد تنزل معهم القرآن من طلب المماثلة إلى طلب شيء مما يماثل، وهو لا يطلب منهم المماثلة التامة، بل يطلب منهم أن يأتوا بشيء فيه جنس المماثلة على وجه التقريب، لذلك جاء التحدي بلفظ (من مثله). وإذا تأملنا نظم الآية نجد عجبا، فقد بالغ الله تعالى في "اهتياجهم واستفزازهم ليثبت أن القدرة فيهم على المعارضة، كقدرة الميت على أعمال الحياة، لن تكون ولن تقع. فقال لهم: (لن تفعلوا)، أي هذا منكم فوق القوة، وفوق الحيلة، وفوق الاستعانة، وفوق الزمن، ثم جعلهم وقودا ثم قرنهم إلى الحجارة ثم سماهم كافرين، فلو أن فيهم قوة بعد ذلك لانفجرت"(132). فلما عجزوا عن تحديه أو معارضته، ولو بسورة واحدة تشبه القرآن، على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء، سجل القرآن هزيمتهم النهائية في باب البيان، فقال تعالى في سورة الإسراء ﴿قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن ياتوا بمثل هذا القرآن، لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾(133).
وبعد هذا التحدي وهذا التقريع والتأنيب وتصغير الشأن وتحقيره، بالنزول عن التحدي من مثل القرآن كله، إلى عشر سور مثله مفتريات لا حقيقة فيها، إلى سورة واحدة من مثله، دون أن يتمكن العرب من معارضته ولو بآية تشبهه في نظمه وأسلوبه وفصاحته، تبين أن القرآن هو كتاب الله المنزل على رسوله الكريم، ووحيه المعجز للعرب خاصة والناس كافة. والجدير بالذكر أن العلماء قد اختلفوا في ترتيب آيات التحدي من حيث النزول، وأكثر علماء التفسير والبلاغة مجمعون على أن التحدي كان على الترتيب بالقرآن كله، ثم بعشر سور، ثم بسورة واحدة، ثم سد عليهم منافذ القول في آية سورة الإسراء(134).
وذهب الزركشي(135) إلى أن التحدي وقع حسب ترتيب سور القرآن في النزول، فكان التحدي بمثل القرآن كله في سورة الإسراء، ثم بسورة واحدة في سورة يونس، التي كان نزولها بعد سورة الإسراء، ثم بعشر سور في سورة هود، التي كان نزولها بعد سورة يونس، ثم بعد ذلك تحداهم أن يأتوا بحديث مثل القرآن في سورة الطور، التي نزلت بعد سورة هود. وأخيرا تحداهم أن يأتوا بسورة من مثل القرآن في سورة البقرة المدنية. وبهذا تكون آية سورة هود وفيها التحدي بعشر سور، قد نزلت قبل آية الطور، وفيها التحدي بمثل القرآن، وهذا يخالف ترتيب الجمهور، الذي يرى أن القرآن قد تحدى العرب بالأصعب فالأسهل حسب ما يقتضيه المنطق.
والحقيقة أن ترتيب الآيات في النزول ليس من الضروري أن يتبع ترتيب السور، فقد كانت تنزل الآية فتلحق بسورة سابقة أو لاحقة في النزول، وبعض المدني يحتوي المكي والعكس صحيح، يقول السيوطي "قال البيهقي في الدلائل: في بعض السور التي نزلت بمكة، آيات نزلت بالمدينة، فألحقت بها، وكذا قال ابن الحصار: وكل نوع من المكي والمدني منه آيات مستثناة، قال: إلا أن من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل"(136). كذلك لا يمكن أن نستدل من قصر الآيات وطولها وأسلوبها على هذا الترتيب، لأن بعض الآيات المكية أسلوبها مدني، وبعض الآيات المدنية أسلوبها مكي، ولأن قصر الآيات وطولها يتبع الفكرة وتأجج العاطفة، لا مكان النزول وتاريخه. ونحسب والله أعلم-كما قال سيد قطب-"أن التحدي كان يلاحظ حالة القائلين وظروف القول، لأن القرآن كان يواجه حالات واقعة محددة مواجهة واقعة محددة. فيقول مرة: ائتوا بمثل هذا القرآن، أو ائتوا بسورة، أو بعشر سور، دون ترتيب زمني.لأن الغرض كان هو التحدي في ذاته بالنسبة لأي شيء من هذا القرآن كله أو بعضه أو سورة منه على السواء. فالتحدي كان بنوع هذا القرآن لا بمقداره. والعجز كان عن النوع لا عن المقدار. وعندئذ يستوي الكل والبعض والسورة، ولا يلزم ترتيب، إنما هو مقتضى الحالة التي يكون عليها المخاطبون، ونوع ما يقولون عن هذا القرآن في هذه الحالة، فهو الذي يجعل من المناسب أن يقال سورة أو عشر سور أو هذا القرآن"(137).
أما العرب فبعد أن استيقنوا من عجزهم، لم يكن لهم بد من المجاهرة بعداوة النبي صلى الله عليه وسلم، فأعلنوا عليه الحرب وعلى من آمن به. واستبدلوا بالكلمة السيف، مع كثرة كلامهم وسهولة ذلك عليهم. وكانت سورة واحدة، وآيات يسيرة، أنقض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه. لكنهم سلكوا كل مسلك وعر أريقت فيه المهج، وبذلت فيه النفوس، وقطعت بسببه الأرحام، وذهبت الأموال. فلو كان التحدي في وسعهم وتحت أقدارهم، "لم يتكلفوا هذه الأمور الخطيرة، ولم يركبوا تلك الفواقر المبيرة، ولم يكونوا تركوا السهل الدمث من القول إلى الحزن الوعر من الفعل. وهذا ما لا يفعله عاقل ولا يختاره ذو لب...فكيف كان يجوز- على قول العرب ومجرى العادة مع وقوع الحاجة ولزوم الضرورة- أن يغفلوه ولا يهتبلوا الفرصة فيه، وأن يضربوا عنه صفحا ولا يحوزوا الفلح والظفر فيه، لولا عدم القدرة عليه والعجز المانع منه"(138).
وإذا علمنا أن العرب -على عهد النبي r- وهم أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة، كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله، فمن بعدهم أعجز، لقصورهم عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة. لأن "فصاحة أولئك في وجوه ما كانوا يتفننون فيه من القول، مما لا يزيد عليه فصاحة من بعدهم، وأحسن أحوالهم أن يقاربوهم أو يساووهم، فأما أن يتقدموهم أو يسبقوهم فلا"(139). ولكن هذا العجز أمام بلاغة القرآن، لم يمنع من وجود بعض المحاولات الفاشلة، لمعارضة القرآن الكريم، والمجيء بمثله في بلاغته ونظمه. من ذلك ما جاء على لسان (مسيلمة بن حبيب الكذاب) الذي حاول معارضة القرآن الكريم، وأخفق إخفاقا مدويا، وصار مثالا للسخرية على امتداد الأجيال. ومن جملة عباراته المضحكة التي نقلت عنه في هذا المجال لتقليد القرآن "والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس". ومثله قوله "والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق فمالكم لا تجتمعون" ومثله أيضا "ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء، وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين، لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوم يعتدون"(140).
فإذا تأملنا هذا الكلام الذي جاء به (مسيلمة)، وجدناه كلاما سخيفا لا ينهض ولا يتماسك، بل هو مضطرب النسج، مبتذل المعنى، خال من كل فائدة، "لا لفظه صحيح، ولا معناه مستقيم، ولا فيه شيء من الشرائط الثلاث التي هي أركان البلاغة، وإنما تكلف هذا الكلام الغث، لأجل ما فيه من السجع، والساجع عادته أن يجعل المعاني تابعة لسجعه، ولا يبالي بما يتكلم به إذا استوت أساجيعه واطردت"(141).
وبذلك يكون القرآن قد سد ببلاغته على العرب، مجال التفكير في هذه المعارضة التي لو وجدت لقضت على مكانة القرآن، ولاشتهرت اشتهار القرآن، أو كانت هي الأشهر، ولتداول المشركون الحديث عنها خلفا عن سلف، فلو وجدوا للمعارضة أي سبيل لبادروا إليها، لأنها هي الطريق الوحيد للقضاء على دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
إن الحكمة من التحدي إذن، هي دعوة الله للعرب في أن يتوجهوا للنظر في أساليب القرآن ووجوه نظمه، وتدبر طريقته للوقوف على وجوه الإعجاز فيه التي تحفظ عليه جلاله، وتبقي له هيبته في نفوس العامة والخاصة على السواء. فلو جاء القرآن مثل كلام العرب "في الطريقة والمذهب، وفي الصفة والمنزلة، لما صلح أن يكون سببا لما أحدثه، ولذهب مع كلام العرب، ثم لتدافعته العصور والدول، إن لم يذهب، ثم لبقي أمره كبعض ما ترى من الأمور الإنسانية لا ينفرد ولا يستعلي"(142).

الهوامش:
([1]) سورة إبراهيم، الآية: 5.
(2) نشير إلى أن لفظ المعجزة، لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، وإنما فيهما تسمية الخارق الذي يجري لنبي من الأنبياء آية أو بينة أو برهانا، قال سبحانه ﴿وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله﴾ (الرعد:39/ غافر: 77) وقال سبحانه ﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات﴾ (الحديد: 24) وقال سبحانه، ﴿فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه﴾ (القصص: 32). وقد أطلق لفظ المعجزة في ذكر آيات الأنبياء في أواخر القرن الثالث الهجري وكان يقرن بلفظ الدلائل وأعلام النبوة. انظر (تقييدات في إعجاز القرآن، محمد بن عبد الرحمان الشظيفي: 15.
(3) ابن فارس، مقاييس اللغة، مادة (عجز): 4/232-233. تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر 1399هـ/1979م.
(4) ابن منظور، لسان العرب، مادة (عجز): 5/369. دار صادر بيروت. 1374هـ/1955م.
(5) سورة المائدة، الآية: 33.
(6) سورة الجن، الآية: 12.
(7) لسان العرب، مادة (عجز): 5/ 369.
(8) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 1/50. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 1413هـ/1993م.
(9) الفيروزابادي، القاموس المحيط، مادة (عجز): 663. مؤسسة الرسالة، دار الريان للتراث، بيروت لبنان، الطبعة الثانية. 1407/1987م.
(10) الشهرستاني، الملل والنحل: 1/102. تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة بيروت لبنان. الطبعة الثانية، 1395هـ/1975م. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: 4/3.تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث القاهرة.
(11) أبو البقاء الكفوي ،الكليات: 149. تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الأولى. 1412هـ/1992م.
(12) القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل: 16/226. تحقيق أمين الخولي: مطبعة دار الكتب القاهرة 1380هـ/1960م.
(13) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 1/53.
(14) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز: 385/386. تحقيق محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة. الطبعة الثانية. 1410هـ/1989م.
(15) الباقلاني، إعجاز القرآن: 288. تحقيق أحمد صقر، ، دار المعرف مصر، الطبعة الخامسة.
(16) يوسف القرضاوي ، كيف نتعامل مع القرآن: 47-48، مؤسسة الرسالة بيروت لبنان، الطبعة الأولى. 1421هـ/2001م.
(17) سورة العنكبوت، الآية: 50-51.
(18) الزركشي ،البرهان في علو القرآن: 2/91. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية صيدا بيروت.
(19) محمد متولي الشعراوي ، معجزة القرآن الكريم: 19. دار العودة بيروت. 1982م.
(20) سعيد رمضان البوطي، كبرى اليقينيات الكونية: 215. دار الفكر دمشق. الطبعة الثامنة. 1402هـ.
(21) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: 4/3. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث القاهرة.
(22) سورة المائدة، الآية: 72-73.
(23) سورة المائدة، الآية:66 .
(24) سورة الأنفال، الآية: 56-57.
(25) سيد قطب، في ظلال القرآن: 3/1541. دار الشروق، القاهرة، الطبعة العاشرة 1401هـ/1981م
(26) سورة طه، الآية: 64-69.
(27) سورة آل عمران، الآية: 48.
(28) سورة النمل، الآية: 103.
(29) سورة فصلت، الآية: 3.
(30) سورة الشعراء، الآية: 192-195.
(31) ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها،: 150. تحقيق أحمد حسن يسبح، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى. 1418هـ/1997م.
(32) البرهان في علوم القرآن: 2/122-123.
(33) محمد أحمد العزب، الإعجاز القرآني من الوجهة التاريخية: 7، دار المعارف القاهرة
(34) سورة الأنبياء، الآية: 5.
(35) سورة سبأ، الآية: 43.
(36) سورة الفرقان، الآية: 5.
(37) البرهان في علوم القرآن: 2/101.
(38) سورة الحجر، الآية: 6-7.
(39) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن: 4/5. وانظر أيضا،سيرة ابن هشام:1/284.
(40) سورة المدثر، الآية: 11-25.
(41) ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن: 14. تحقيق سيد صقر، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، الطبعة الثالثة، 1401هـ/1981م.
(42) سورة قريش، الآية: 1-2.
(43) جرجى زيدان، تاريخ اللغة العربية: 38.
(44) العنعنة: أن تجعل الهمزة المبدوء بها عينا فتقول في إنك عنك وفي أسلم، عسلم.
(45) الكشكشة: أن تجعل بعد كاف الخطاب في المؤنث شينا، فتقول: في رأيتكش، وبكش، وعليكش.
(46) الكسكسة: أن تجعل بعد الكاف أو مكانها في المذكر سينا.
(47) اللخلخانية: العجمة في النطق.
(48) العجعجة: أن تجعل الياء المشددة جيما فتقول في تميمي تميميج.
(49) الطمطانية: وهي جعل (أم) بدل (أل).
(50) السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 1/210. تحقيق محمد أحمد جاد المولى/ محمد أبو الفضل إبراهيم/ علي محمد البجاوي، المكتبة العصرية صيدا بيروت. 1408هـ/1989م.
(51) اختلف علماؤنا القدامى حول اللغة التي نزل بها القرآن الكريم باعتباره النموذج المثالي للغتنا الفصحى فذهب فريق إلى أنه نزل بلفة قريش، وذهب آخر إلى أن في القرآن من اللغات خمسون لغة من بينها لغة قريش، وذهب فريق آخر إلى أنه في أواخر العصر الجاهلي نشأت لغة عربية أدبية فصيحة مشتركة هي التي كان يستخدمها الشعراء والخطباء إذا جمعتهم أسواق الأدب ومحافل الخطابة وبها كتبت المعلقات. ومهما يكن من أمر فإن اللغة المختارة التي نزل بها كتاب الله العزيز كانت قبل الإسلام قوية صحيحة فصيحة سليمة، وأن جميع لهجات الجزيرة تضرب بجذور عميقة في أصول اللهجة الفصحى الأم، لغة القرآن الكريم بفضل الصلات التي كانت تجمع مواطن هذه اللهجات تجارية وأدبية واجتماعية واقتصادية.أنظر معترك الأقران في إعجاز القرآن 1/204 والمزهر في اللغة: 1/210: السيوطي.
(52) سورة الأحزاب، الآية: 19.
(53) سورة مريم، الآية: 98.
(54) سورة الزخرف، الآية: 58.
(55) سورة البقرة، الآية: 202.
(56) سورة البقرة، الآية: 202.
(57) الجامع لأحكام القرآن: 2/13.
(58 ) سورة، المنافقون، الآية: 4.
(59) رسائل الجاحظ، من كتاب حجج النبوة:143 نقلا عن كتاب: بلاغة القرآن في آثار القاضي عبد الجبار، عبد الفتاح لاشين: 430. دار الفكر العربي
(60) ابن قتيبة، الشعر والشعراء: 1/8. تحقيق مفيد قميحة دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
(61) ابن عبد ربه ،العقد الفريد: 6/118. تحقيق عبد المجيد الترحيني، بيروت لبنان، الطبعة الأولى.1404هـ/1983م.
(62) ابن رشيق، العمدة:1/ 65. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل بيروت لبنان. الطبعة الخامسة. 1401هـ/1981م.
(63) حلمي خليل، العربية والغموض،:47. دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، الطبعة الأولى. 1988م.
(64) سورة الزخرف، الآية: 71.
(65) سورة السجدة، الآية: 17.
(66) الجامع لأحكام القرآن: 1/56. ٭الحديث رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق: 4/143.
(67) جاء في الكليات هامش صفحة 149: جهة إعجاز القرآن ليست مفردات ألفاظه، وإلا لكانت قبل نزوله معجزة، ولا مجرد تأليفها وإلا لكان كل تأليف معجزا، ولا إعرابها وإلا لكان كل معرب معجزا، ولا مجرد أسلوبه وإلا لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزا، ولا أسلوب الطريق وإلا لكان هذيان المبسلمة معجزا، ولا بالصرف عن معارضتهم لأن تعجبهم كان من فصاحته، بل هو الإيجاز مع البلاغة والبيان والفصاحة وغير ذلك مما ذكروه.
(68) ذهب بعض العلماء إلى اعتبار حروف فواتح السور وجها من وجوه إعجاز القرآن، ورمزا لتحدي العرب الذي نزل القرآن بلغتهم. فهو مؤلف من الحروف التي يعرفونها ويبنون كلامهم عليها، وهو مع هذا معجز لهم لا يملكون صياغة مثله والأحرف بين أيديهم ومنها لغتهم. إعجاز القرآن للباقلاني: 44-46.
(69) دلائل الإعجاز: 386.
(70) دلائل الإعجاز: 387.
(71) البرهان في علوم القرآن: 2/122.
(72) الخطابي، بيان إعجاز القرآن: 27. ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام، دار المعارف مصر، الطبعة الرابعة.
(73) نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص القرآني، دراسة في علوم القرآن،:137. المركز الثقافي العربي بيروت، الطبعة الرابعة. 1998م.
(74) بيان إعجاز القرآن: 29.
(75) بيان إعجاز القرآن: 29.
(76) سورة الفاتحة، الآية:1.
(77) الزمخشري، الكشاف: 1/8-9.
(78) الجامع لأحكام القرآن: 1/4.
(79) سورة يوسف، الآية: 17.
(80) بيان إعجاز القرآن: 41.
(81) سورة الإنسان، الآية : 21.
(82) سورة المرسلات، الآية: 27.
(83) سورة الجن الآية: 16.
(84) الإتقان في علوم القرآن: 3/263.
(85) الجاحظ، البيان والتبيين: 1/20. تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل بيروت لبنان. 1410هـ/1990م.
(86) سورة التوبة، الآية: 38.
(87) سيد قطب، التصوير الفني في القرآن:91-92. دار الشروق بيروت. 1412هـ/1992م.
(88) سورة فاطر، الآية: 36-37.
(89) الزمخشري، الكشاف: 3/615. تحقيق مصطفى حسين أحمد، دار الكتاب العربي. الطبعة الثالثة. 1407هـ/ 1987م.
(90) التصوير الفني في القرآن: 92.
(91) سورة الزمر، الآية: 28.
(92) محمد حسين علي الصغير، نظرية النقد العربي، رؤية قرآنية معاصرة: 45. دار المؤرخ العربي بيروت لبنان، الطبعة الأولى. 1420هـ/1999م.
(93) محمد علي الصغير، الصوت اللغوي في القرآن: 164. دار المؤرخ العربي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى. 1420هـ/2000م.
(94) شغلت الدراسات الصوتية علماءنا القدامى، لما لها من علاقة وثيقة بالنحو والصرف والبلاغة والمعجم والتفسير والقراءات، فقد خصص النحاة لها بعض الأبواب في كتبهم، مثل الإدغام والإبدال والإعلال، وخصها أصحاب المعاجم بالاهتمام في مقدمات معاجمهم، أو في ثنايا المادة اللغوية المجموعة، بل هناك من المعاجم التي رتبت بطريقة صوتية، كمعجم العين للخليل، وأسهم علماء التجويد والقراءات بقدر لا يجحد في هذا الميدان.كما أدلى المؤلفون في إعجاز القرآن وعلوم البلاغة بدلوهم في الموضوع، وزودونا بمعلومات تتصل بتنافر الأصوات وتآلفها، واستتبع هذا حديثا عن مخارج الحروف وصفاتها، ومازالت الدراسة الصوتية تعتبر في نظر القدماء و المحدثين، أول خطوة في أي دراسة لغوية لأنها تتناول أصغر وحدة لغوية، فضلا عن كونها تعنى بالصوت الذي هو المادة الخام للكلام الإنساني.
(95) سورة النجم، الآية: 8-18.
(96) أحمد أبو زيد، التناسب البياني في القرآن الكريم: 309. منشورات كلية الآداب الرباط ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء. 1992م.
(97) سورة المزمل، الآية: 4.
(98) الكشاف: 4/637.
(99) الإتقان في علوم القرآن: 1/299.
(100) سورة يس، الآية: 68.
(101) التصوير الفني في القرآن: 102.
(102) أحمد جمال العمري، مفهوم الإعجاز القرآني: 295. دار المعارف مصر. 1984م.
(103) سورة يوسف، الآية: 85.
(104) الإتقان في علوم القرآن: 3/262-263.
(105) سورة الأنعام، الآية: 110.
(106) الإتقان في علوم القرآن: 3/263.
(107) محمد كريم الكواز، الأسلوب في الإعجاز البلاغي للقران الكريم: 293. جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، دار الكتب الوطنية بنغازي، الطبعة الأولى. 1996م.
(108) سورة هود، الآية: 44.
(109) دلائل الإعجاز: 45-46.
(110) الأسلوب في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم: 309.
(111) سورة الأنعام، الآية: 101.
(112) دلائل الإعجاز: 286.
(113) دلائل الإعجاز: 286.
(114) دلائل الإعجاز: 287.
(115) دلائل الإعجاز: 393.
(116) سورة مريم، الآية: 3.
(117) دلائل الإعجاز: 101.
(118) أحمد بدوي، بلاغة القرآن: 217.
(119) سورة فصلت، الآية: 25.
(120) التصوير الفني في القرآن: 14.
(121) سورة الفرقان، الآية: 5.
(122) سورة الفرقان، الآية: 4.
(123) سورة سبأ، الآية: 43.
(124) سورة الأنعام، الآية: 92.
(125) سورة الأنفال، الآية: 31.
(126) مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 169. دار الكتاب العربي بيروت لبنان. 1410هـ/1990م.
(127) سورة الطور، الآية: 32.
(128) سورة هود، الآية: 13.
(129) البرهان في علوم القرآن: 2/110.
(130) سورة يونس، الآية: 38.
(131) سورة البقرة، الآية: 22-23.
(132) مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 170.
(133) سورة الإسراء، الآية: 88.
(134) الإتقان في علوم القرآن: 4/4.
(135) البرهان في علوم القرآن: 2/110.
(136) الإتقان في علوم القرآن:1/38.
(137) في ظلال القرآن: 4/1861-1862.
(138) بيان إعجاز القرآن: 21-22.
(139) إعجاز القرآن: 250.
(140) إعجاز القرآن: 157.
(141) بيان إعجاز القرآن: 56.
(142) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 240.
(127) سورة الطور، الآية: 32.
(128) سورة هود، الآية: 13.
(129) البرهان في علوم القرآن: 2/110.
(130) سورة يونس، الآية: 38.
(131) سورة البقرة، الآية: 22-23.
(132) مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 170.
(133) سورة الإسراء، الآية: 88.
(134) الإتقان في علوم القرآن: 4/4.
(135) البرهان في علوم القرآن: 2/110.
(136) الإتقان في علوم القرآن:1/38.
(137) في ظلال القرآن: 4/1861-1862.
(138) بيان إعجاز القرآن: 21-22.
(139) إعجاز القرآن: 250.
(140) إعجاز القرآن: 157.
(141) بيان إعجاز القرآن: 56.
(142) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 240.

ليست هناك تعليقات:

أهداف منتدى الفصيح : توسيع دائرة التواصل بيننا وبين الباحثين، تقريب المعلومة من الطلبة على وجه الخصوص،وجعل المنتدى جسرا لمواقع وموسوعات علمية متنوعة، ونقل الخبر، عبر ربط المنتدى بأهم الجرائد والقنوات العالمية.
Google
دليل العرب الشامل الجزيرة نت سوالف المنتديات

أخبار الجزيرة